فصل: بين يدي السورة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والفتية أصحاب الكهف يقولون: {هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين} وعندما يتساءلون عن فترة لبثهم في الكهف يكلون علمها لله: {قالواربكم أعلم بما لبثتم}.
وفي ثنايا القصة إنكار على من يتحدثون عن عددهم رجما بالغيب: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا}.
وفي قصة موسى مع العبد الصالح عندما يكشف له عن سر تصرفاته التي أنكرها عليه موسى يقول: {رحمة من ربك وما فعلته عن أمري} فيكل الأمر فيها لله.
فأما تصحيح القيم بميزان العقيدة، فيرد في مواضع متفرقة، حيث يرد القيم الحقيقية إلى الإيمان والعمل الصالح، ويصغر ما عداها من القيم الأرضية الدنيوية التي تبهر الأنظار.
فكل ما على الأرض من زينة إنما جعل للابتلاء والاختبار، ونهايته إلى فناء وزوال: {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا}.
وحمى الله أوسع وأرحب، ولو أوى الإنسان إلى كهف خشن ضيق. والفتية المؤمنون أصحاب الكهف يقولون بعد اعتزالهم لقومهم: {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا}.
والخطاب يوجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليصبر نفسه مع أهل الإيمان؛ غير مبال بزينة الحياة الدنيا وأهلها الغافلين عن الله {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}.
وقصة الجنتين تصور كيف يعتز المؤمن بإيمانه في وجه المال والجاه والزينة. وكيف يجبه صاحبها المنتفش المنتفخ بالحق، ويؤنبه على نسيان الله: ال له صاحبه وهو يحاوره: أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا؟ لكن هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا. ولولا إذ دخلت جنتك قلت: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله. إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا. فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك، ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا، أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا.
وعقب القصة يضرب مثلا للحياة الدنيا وسرعة زوالها بعد ازدهارها: {واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا}.
ويعقب عليه ببيان للقيم الزائلة والقيم الباقية: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا}.
وذو القرنين لا يذكر لأنه ملك، ولكن يذكر لأعماله الصالحة. وحين يعرض عليه القوم الذين وجدهم بين السدين أن يبني لهم سدا يحميهم من يأجوج ومأجوج في مقابل أن يعطوه مالا، فإنه يرد عليهم ما عرضوه من المال، لأن تمكين الله له خير من أموالهم {قال ما مكني فيه ربي خير}. وحين يتم السد يرد الأمر لله لا لقوته البشرية: {قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا}.
وفي نهاية السورة يقرر أن أخسر الخلق أعمالا، هم الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه؛ وهؤلاء لا وزن لهم ولا قيمة وإن حسبوا أنهم يحسنون صنعا: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا}.
وهكذا نجد محور السورة هو تصحيح العقيدة. وتصحيح منهج الفكر والنظر. وتصحيح القيم بميزان العقيدة.
ويسير سياق السورة حول هذه الموضوعات الرئيسية في أشواط متتابعة:
تبدأ السورة بالحمد لله الذي أنزل على عباده الكتاب للإنذار والتبشير. تبشير المؤمنين وإنذار {الذين قالوا اتخذ الله ولدا}؛ وتقرير أن ما على الأرض من زينة إنما هو للابتلاء والاختبار، والنهاية إلى زوال وفناء.. ويتلو هذا قصة أصحاب الكهف. وهي نموذج لإيثار الإيمان على باطل الحياة وزخرفها، والالتجاء إلى رحمة الله في الكهف، هربا بالعقيدة أن تمس.
ويبدأ الشوط الثاني بتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وأن يغفل الغافلين عن ذكر الله.. ثم تجيء قصة الجنتين تصور اعتزاز القلب المؤمن بالله، واستصغاره لقيم الأرض.. وينتهي هذا الشوط بتقرير القيم الحقيقية الباقية.
والشوط الثالث يتضمن عدة مشاهد متصلة من مشاهد القيامة تتوسطها إشارة قصة آدم وإبليس.. وينتهي ببيان سنة الله في إهلاك الظالمين، ورحمة الله وإمهاله للمذنبين إلى أجل معلوم.
وتشغل قصة موسى مع العبد الصالح الشوط الرابع. وقصة ذي القرنين الشوط الخامس.
ثم تختم السورة بمثل ما بدأت: تبشيرا للمؤمنين وإنذارا للكافرين، وإثباتا للوحي وتنزيها لله عن الشريك. اهـ.

.قال الصابوني:

سورة الكهف مكية وآياتها عشرة ومائة.

.بين يدي السورة:

سورةُ الكهف من السور المكية، وهي إحدى سورٍ خمس بُدئت ب {الحمدُ لله}، وهذه السور هي الفاتحة، الأنعام، آلكهف، سبأ، فاطر وكلها تبتدئ بتمجيد الله جل علا وتقديسه، والاعتراف له بالعظمة والكبرياء، والجلال والكمال.
* تعرضت السورة الكريمة لثلاث قصص من روائع قصص القرآن، في سبيل تقرير أهدافها الأساسية لتثبيت العقيدة، والإيمان بعظمة ذي الجلال.. أما الأولى فهي قصة أصحاب الكهف وهي قصة التضحية بالنفس في سبيل العقيدة، وهم الفتية المؤمنون الذين خرجوا من بلادهم فرارا بدينهم، ولجئوا إلى غار في الجبل، ثم مكثوا فيه نياما ثلاثمائة وتسع سنين، ثم بعثهم الله بعد تلك المدة الطويلة. والقصة الثانية: قصة موسى مع الخضر، وهي قصة التواضع في سبيل طلب العلم، وما جرى من الأخبار الغيبية التي اطلع الله عليها ذلك العبد الصالح الخضر ولم يعرفها موسى عليه السلام حتى آْعلمه بها الخضر كقصة السفينة، وحادثة قتل الغلام، وبناء الجدار. والقصة الثالثة: قصة ذي القرنين وهو ملك مكَّن الله تعالى له بالتقوى والعدل أن يبسط سلطانه على المعمورة، وأن يملك مشارق الأرض ومغاربها، وما كان من أمره في بناء السد العظيم.
* وكما استخدمت السورة- في سبيل هدفها- هذه القصص الثلاث، استخدمت أمثلة واقعية ثلاثة، لبيان أن الحقً لا يرتبط بكثرة المال والسلطان، وإنما هو مرتبط بالعقيدة، المثل الأول: للغني المزهو بماله، والفقير المعتز بعقيدته وإيمانه، في قصة أصحاب الجنتين. والثاني: للحياة الدنيا وما يلحقها من فناء وزوال، والثالث: مثل التكبر والغرور مصورا في حادثة امتناع إبليس عن السجود لآدم، وما ناله من الطرد والحرمان، وكل هذه القصص والأمثال بقصد العظة والاعتبار.

.التسمية:

سميت سورة الكهف لما فيها من المعجزة الربانية، في تلك القصة العجيبة الغريبة قصة أصحاب الكهف. اهـ.

.قال أبو عمرو الداني:

سورة الكهف مكية وقد تقدم نظيرتها في البصري ولا نظير لها في غيره وكلمها ألف وخمس مئة وسبع وسبعون كلمة وحروفها ستة آلاف وثلاث مئة وستون حرفا وهي مئة وخمس آيات في المدنيين والمكي وست في الشامي وعشر في الكوفي وإحدى عشرة في البصري اختلافها إحدى عشرة آية {وزدناهم هدى} لم يعدها الشامي وعدها الباقون {ما يعلمهم إلا قليل} عدها المدني الأخير ولم يعدها الباقون: {إني فاعل ذلك غدا} لم يعدها المدني الأخير وعدها الباقون: {وجعلنا بينهما زرعا} لم يعدها المدني الأول والمكي وعدها الباقون: {أن تبيد هذه أبدا} لم يعدها المدني الأخير والشامي وع. دها الباقون {من كل شيء سببا} لم يعدها المدني الأول والمكي وعدها الباقون {فأتبع سببا} {ثم اتبع سببا} عدهن الكوفي والبصري ولم يعدهن الباقون {عندها قوما} لم يعدها الكوفي والمدني الأخير وعدها الباقون {بالأخسرين أعمالا} لم يعدها المدنيان والمكي وعدها الباقون وفيها مما يشبه الفواصل وليس معدودا بإجماع خمسة مواضع {عليهم بنيانا} {بأسا شديدا} {بسلطان بين} {مراء ظاهرا} {ولم تظلم منه شيئا}.